ومن أطرف المواقف الإلهية، وأكثرها جمالاً وجلالاً، خطابه تعالى لنبيه موسى عليه السلام بجانب الطور الأيمن.. إنه حدث وجداني عظيم يهز القلب هزاً! موسى تأئه في غسق الليل بين الجبال، سارياً بأهله، يبحث عن دفء، حتى إذا تفرد بين الشعاب باحثاً سمع الله يتكلم!.. أتدرون ما تقرؤون؟ إنه سمع الله يتكلم! وتلك حقيقة كونية رهيبة! لا تسعها العقول تصوراً، ولا القلوب استشعاراً! ولكن الأجل في الموقف أنه يتكلم معه هو بالذات! الله الملك العظيم رب الأرضين والسماوات، ورب الفضاءات والمدارات؛ يكلم هذا العبد الضئيل، بل هذه الذرة الدقيقة التائهة في الفلوات!.. هل تستطيع أن تتصور نفسك هناك؟.. إذن أنصت لكلام الله:
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّآ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}
(طه: 14).
موسى التائه الباحث يسمع متكلماً، فيجده أنه يخاطبه ويُعَرِّفُهُ بنفسه، فكانت هذه الكلمات الجليلة العظيمة:
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّآ أَنَاْ!}
إلخ الآية.. عبارات شارحة لمعنى الإسلام وعقيدة الإسلام، عقيدة المحبة العليا.. فقد سمى الله نفسه سبحانه باسمه العَلَم؛ معرفاً بذاته: (الله). وهو الاسم الجامع لكل الأسماء الحسنى والصفات العُلَى.. ثم قرر ما ينبغي أن يعرفه العبد عن ربه: (لَا إِلَهَ إِلَّآ أَنَاْ)، فلا ينبغي أن يسكن قلبك يا موسى حُبُّ سواي، ولا أن تجرد وجدانك لغيري، فمقام الإلهية يقتضي من الخلق الانتظام في سلك الخدمة، والطاعة لسيد الكون، الرب الأعلى.
البطاقات ذات الصلة
عرض البطاقات